وهكذا...
الثقافة باع وروح...
بقلم: محمود الحرشاني
hormahmoud@gmail.com
بالأمس، هاتفني صديق عزيز، من العاصمة، وسألني، لماذا لم تعد تكتب؟ لماذا لم نعد نقرأ لك في الصريح؟ أين ذهب حماسك؟ وبصراحة لم أجد ما أقوله لهذا الصديق الذي فهمت انه يتابع ما اكتب في جريدة الصريح، سوى أن أقول له، بعد أن شكرته على اتصاله، وسؤاله عني وعن صحتي، لقد تعبت يا صديقي، منذ أكثر من ثلاثين سنة وأنا اكتب، ولكن ما الذي تغير، لا شيء، ولكن صديقي هذا، عاجلني بقوله، لا تيأس، هناك من يقرأ، وهناك من يتابع كتاباتك، وهناك من يستمتع بما تكتب، فلا تيأس، ولا يصيبنك الإحباط، ولو يعلم صديقي هذا ما اشعر به من الم وحزن، على تردي الأوضاع في بلادي، ما سألني هذا السؤال المحير... أنا كائن حبري، لا أتنفس إلا بالكتابة ولا استعيد قواي وتوازني إلا عندما اشتم رائحة الحبر، تماما كالسمكة لا تعيش إلا في البحر، وإذا خرجت منه ماتت وانقطع عنها الأكسجين...
ولكن ماذا يفعل الكاتب أو الصحفي، وكل شيء حوله مدمر للأعصاب ومتلف لها... إننا نعيش وسط غابة من الإحباط وكل واحد من أدعياء الثورة يحاول أن ينهشك ويغرس في ظهرك السكين. ونعترض يوميا الى حملات تشويه لا طائل لنا باحتمالها... تصوروا احد المرضى من عديمي الأخلاق اتصل هاتفيا بأحد الأصدقاء، وقال له، هل قرأت ما كتبه اليوم فلان (ويقصدني أنا) في جريدة (كذا) لقد انهال على التجمعيين سبا وشتما في مقاله المنشور مع صورته... ثم قال له أن المقال منشور بالصفحة كذا.فما كان من هذا الصديق إلا أن أرسل في طلب الجريدة ولم يعثروا فيها لا على مقالي ولا على صورتي... ثم إنني لا اكتب في هذه الجريدة أصلا... ولما اتصل به هذا الصديق وقال له كيف تغالطني، فكان جوابه... (أشبيه... أنت خايف على محمود الحرشاني)، ولمثل هذه الحملات من التشويه والافتراء الكاذب، أتعرض يوميا حتى كرهت الكتابة... وكرهت التفوق، وكرهت النجاح وكرهت التميز...
ومنذ يومين، شربت قهوة مع صديق عزيز، يعمل في العاصمة ويأتي إلى سيدي بوزيد في المناسبات، تصوروا ماذا قال لي؟ قال لي هذا الصديق أن احد الذين دخلوا إلى الوظيفة العمومية بفضل البطاقة البيضاء للعائلات المعوزة، يشتمني في المقاهي ويقول عني كلاما لا يليق، وهو يدعي الثورية والبطولة، ونسي انه دخل إلى الوظيفة العمومية، بفضل البرنامج الذي اقره الرئيس بن علي والقاضي بتشغيل فرد على الأقل من العائلات المعوزة التي تملك البطاقة البيضاء التي تسلم إلى العائلات المعوزة... هذا السيد أصبح اليوم يدعي الثورية وهو يشتم الناس صباحا مساء في المقاهي.
كيف يمكنني أن اكتب في مناخ كهذا... لذلك كرهت الكتابة، وكرهت رائحة الحبر، وهي الرائحة المحببة إلى نفسي... وهي الأوكسجين الذين ينعش حياتي. ولكن ما تريدون. البلاد امتلأت بمثل هذه الأرهاط التي لا أخلاق لها... هم اليوم يمرحون فيها بالطول والعرض ولا احد يصدهم... سلاحهم التشويه والافتراء على الناس والكذب، وترويج الإشاعات. وهي أمراض وآفات تنتشر عندما تغيب الثقافة، ومع الأسف الثقافة اليوم في تونس، نقولها بكل الم، باع وروح…
-------------------------------------------------------------------------------------------للتواصل مع الكاتب 00216891744
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire